ما الذي يجعلك تظن أنَّ هذه تفاحة حمراء؟ ما
الذي يمنحك الثقة الكاملة بأنها ليست صفراء أو خضراء؟ كيف تعرف أنها تفاحة أصلاً؟
كيف نشترك أنا وأنت في تعريف هذا الشكل المكوّر؟ ماذا كان المنعطف اللغويّ الأولّ،
الذي نمّط نظرتنا للعالم؟ إلى أيِ حدٍّ قاومناه كيلا يتفشّى فينا؟ كيلا يغزوا
عقولنا مثل سرطانٍ لعين؟
لماذا تعرقلت عجلة النمو البشري؟ تقول
الإحصاءات أنَّ نسبة الإختراعات البشرية قلّت بشكل تكاد تنعدم فيه مقارنةً بباقي
العصور، نحنُ ثابتين نسبياً في تطورٍ يعزى لقرنٍ مضى، لماذا؟ التنميط، هذا العدو
اللدود المصرّح له من قبل كل أيديولوجية إنسانية منظمة ظهرت قط، وتبّنته الحكومات
والشرائع وصار جزءً لا يتجزأ من إنسانيتنا، حتّى أنَّ الحِياد عنه يصنّف كشذوذ مقيت،
يُحاربه النظام بأكمله. هذا التنميط الذي يجعلنا نرى شجرةً وينمّط شعورنا وفكرتنا
عنها، أصبحنا كالجراد، نفكّر ونشعر ونتشخصن بذات الطرائق. لسنا أفراداً حقاً، نحن
حمقى مؤدلجين، مُنوّمين، وفي حالةٍ تستدعي شفقة الفرد من ذاته. هذا التنميط، الذي
لا يكتمل إلا في أوكار الجزّارين، لا يتمّ حقاً إلا ببتر كل فردانية فينا، كل خلية
وزاوية فكريّة خاصة نسمّيها "أنا"، كل هذا أمام ناظرنا ودون تخدير،
جريمة كاملة، فلا مجال لتقصّي الفاعل، فالفاعل نحن، وهم، وهذا النظام الفوضوي
المنحرف كلّه. قد لا تملك أدنى فكرةٍ عمّا أقوله الآن، وهذه عاقبةٌ طبيعية لوهمك
المتأصل في اعتقادك بفهم نفسك، وثقتك العمياء المفجعة بأنك لم تخسر شيئاً قط، لا
جزءً من فردانيتك، ولا أناك المستنجده بك.
تُدهشني قدرة الجهل الذاتي على الإقناع، حين
تجهل نفسك، يسهل إقناعك بما لست عليه، كأن يُدرجك النظام تحت صنفٍ ما يعوزه ولا
يُمكن أن يتحقق كماله المدنّس إلا به. نحن بارعين، بل وممثلين أوسكاريين، فيما
يتعلّق بالشفقةِ على من هم ظاهري الفقر، ممن لا يجدون قوتاً، مأكلاً، ملبساً أو أماناً،
هؤلاء المساكين الذين نتباهي بمساعدتهم بشتى أشكال موادّنا، من مالٍ أو دموع،
لكننا نفشل في إرداك أنَّ البؤس الحقيقي هو حين تفتقر لنفسك داخلياً، وحِين لا
تعود قادراً على استرداد فردانيتك الكامنة في أفكارك الخالصة، لأنَّ أفكارك الأولى
هكِّرت وخرّبت منذ خطوتك الأولى كطفلٍ بريء، غير مدركٍ بعد لنوع التنميط الذي سيتعرّض
إليه .. نحن الفقراء حقاً. يُؤخذ مِنك، تُعاد صناعتك حسب الطلب، ثمّ تصبح قابلاً
للتصدير للإستخدام البشري.