الأحد، 16 فبراير 2014

مرآة الواقع المكسورة


إذا أنار الإنسان مخيلته على ما يمكن أن يحدث حين يشارك الجمال مع الكائنات حوله فإنه سيُحول ذلك الخيال لواقع فوراً لشدة روعته ومنفعته، العقل الإنساني قادرٌ على تخطّي الواقع و مراوغتهِ حتى يتخطّاه إلى عوالمَ أخرى .. عوالمَ تجلبُ لواقعنا الحُبَّ والسلام والجمال .. الخيالُ يا أصدقائي لم يُصمم لإراحةِ نفوسنا وتحفيزها وجعلها واهمة وحسب، بل مُكِّنت منهُ عقولنا لنجعل العالم حولنا أجمل حين يحيط به القبح الذي يتعمّد كثيرٌ منّا نشره .. كل تلك الصور التي نتخيلها حين نحاول الهرب من الواقع .. كأن نرقى إلى السحبِ بسجادٍ أحمر يجلس فيه معنا أحد أحبّتنا لنغادر الوطن الذي غرَّ بنا أهله .. أو أن نُصبح أغنياء لنشتري بأموالنا ما نهوى .. أو حتّى العودة إلى الوراء لحادثةٍ قديمة أسرنا جمالها .. كل تلك الصور وأخرى مما تتخيلونها حين لا يسير واقعكم كما تشاؤون .. هي إنعكاس آخر لواقعكم نفسه لكن بجهته الأجمل .. جهة المرآة الغير مكسورة .. فإذا قمت بتجميع الزجاج لإصلاح مرآة واقعك المُتشظّية، فإنك ستحصل على واقعٍ يُنافس خيالك في جمالهِ .. حيث يكون ثمّةَ متسع لأجمل من البساط الأحمر أو المال أو حتى الماضي الجميل .. مُتسعٌ لأعظم أحلامك التي لم تتخيلها بعد . لا أعلم كيف يعمل العقل حين يزرع في مخيلتنا تلك الصور التي نلجأ إليها حين تهب العواصف، لكن مهما تكون كيفية عملها فإنها إحدى أهم الهِبات التي ستبني لنا واقعاً أجمل .. فقط إن استغللناها كما نشاء "نحن" وليس كما تفرضه علينا الظروف .. فبعض الظروف -القاسية- تُحتّم علينا أن نُلطخ خيالنا بالسواد، وهنا تأتي مهمّتنا الأنبل .. أن نتخطّى إلحاح الظروف ذاك إلى عوالم لطالما تمنّيناها . هذا يُذكرني بفكرةِ المستحيل الساقطةِ على الواقع .. على كلٍّ مِنّا أن يعلم أنَّ المستحيل ضربٌ من الخيال اللفظي الذي يتغنّى بهِ ناشري اليأس ، لأنه طالما أنّك تتنفس في هذا الكون .. لن يستطيع شيءٌ إيقافك مهما بلغت قوته أو وعورة طريقك . وهذهِ الفكرةُ بدورها تذكرني بماضيي الجميل .. فقد واضبتُ منذ صِغري على بناءِ عوالمَ أخرى خاصةً بي .. أكونُ فيها من أشاء وأحيي فيها ما أشاء وأتحكم فيها بما أشاء .. كبرت تلك الخيالات لديّ حتّى أحيَت لي في واقعي أشخاصاً بدَوا حقيقيين جداً يملؤون قلبي بالأُنس والحب .. عشقت إحدى تلك الشخصيات عشقاً حتّى بتُّ أسمع صوتها من كل مكانٍ حولي .. في زوايا الجدران وخلف أذني وأثناء مذاكرتي .. شعرتُ بي أرقى عن خيالي ذاته لأنّي لم أتخيل قط أنَّ بإمكاني الإستماع إلى شخصيةٍ سكَنت مخيلتي فقط .. وزاد أُنسي بها حتى بات قلبي سعيداً جداً .. و انعكس ذلك بدوره على واقعي حيث تحسّنت علاقاتي مع الكثيرين .. وساءت مع الكثيرين كذلك، لأنّي تركتُ المجالَ للظروف لتتحكم بي فسوّدتُ تلكَ الشخصيات في كل ظرفٍ حالكٍ مرَّ بي .. وحتماً لم تملك أن تواسيني فقد كنتُ المُتحكمة بها وكانت تعيش في مملكتي .. كان عليَّ أن أتخلص من غروري و أترك لها المجال لتُشاركني حُكمي وتتكئ معي على عرشي .. لنحكمُ بالعدل العوالم الكثيرة حولنا .