الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

اِستِلال

بدون عسق وطنيّ مشترك أو صراخ صبيانيّ مُفتعل، هذه التدوينة ليست إلّا -غالباً ما يبدأ أي تبرير جيّد بـ"ليس إلّا"- إدلاء صريح وصادق.

لن يسمحوا لك بنسيان الماضي. لن يتوقفوا عند ذلك فحسب، بل سيعرضون عليك ماضيك بسائر أطيافه في تمثيلية تكاد تعيد الزمن إلى الوراء، وكأنه لم يكن وراءً قطّ، ولا زمن. فنهاية الزمن تبدأ حين تنتهي لحظتك هذه، لكن معهم .. لن تكون لهذه اللحظة نهاية، ولا لأي لحظة أصابك فيها الإحراج أو مسّ جنون طفوليّ. بالنسبة لهم، ما زِلت الطفل الذي تصيبه نوبات هلع متكررة ليلاً، وما زلت المجنون الذي يُخبئ رسائل تحت التراب علّها تصل لأصدقائك في عوالم أخرى. ستبقى أنت المغفل المجنون ذي الخمس سنوات ولن تعنيهم السنوات العشرين الأخرى من عمرك شيئاً. ستدخل الجامعة، ستقرأ أكثر من الجميع، ستكتب ببلاغة مدهشة وستصادق الكثيرين ممن لا تهمهم طفولتك لكن في نظرهم هم .. أنت الجاهل الأحمق المتعفّن في حجرتك والمنغلق على نفسه في أوهامه وتبلّده الذهني المدقع. سيذكرونك بإستمرار بكل ما تتمنى نسيانه من طفولتك بعبارة واحدة .. بنظرة أو إشارة. لن تكون لديك فرصة لتعيش حاضِرك بدون زيارة مفاجئة من الماضي، لن تلتفت للأمام دون أن يستلّك شيئاً ما للخلف. ولن تعترض، فقد اعتدت على الأزمنة المتداخلة ببعضها. تماماً كمن يعتقد بأنه لن يتكيّف مع العيش وحيداً في كهف أرمينيّ شاهق، ينتهي به المطاف موالياً للعناكب والدواب والجبال من حوله. سيعتاد .. مثل كل شيء آخر حوله. سيصبح جزءً من الصورة، تلك التي لا يعيبها شيء لشدة تجانسها.