الثلاثاء، 20 يونيو 2017

فوق وجبة المشرحة

دماغ .. أرصفة وانحناءات دمويّة .. البياض يعمّ المكان، مُزخرفاً بإحمرارٍ مُبكٍ.
قبل أن تنتفض عينك، يُنهي الواقف خلفك آخر غرزة في باطنِ درع جمجمتك، تماماً قبل أوّل انحناءٍ ينشد السّلام في دماغك الجميل. بالتفاتتة مبهرة لرسغهِ، يقسم العظمة البيضاويّة إلى قسمين .. أحدهما يثبت مصرّاً على حفظ هويتك وكرامتك "الإنسانيّة"، لا يحددها سوى أربع رموز تضمن إنسانيتك إن اصطفت دون اعتراض كرموزِ آدمَ الأبّ. القسم الآخر .. يبقى مُعلقاً بآخر غِطاء شحميّ أسفل رأسك تحديداً، مُعلناً عنك .. عن أفكارك .. مشاعرك .. كل من عرفتهم .. كل ما عرفته وكل مالم يأتي بعده شيء، لتُحمل بعد ذلك الكتلة البيضاء بالغة الرقّة بين يديه .. مالِكاً إيّاك، وكل ما كنت عليه، معلناً .. مرّة أخرى .. أنّك قابل للإختزال. 
يضع فلقتيّ السلام في صينية حديدية .. ويبدأ بتمرير أصابعهِ حولها، شارحاً للجمهور تعقيد الجنس البشريّ المُذهل، مُتجاهلاً إيّاك، مرة أخرى، وكل ما اجتهدت لتخبئته في أغلى الخزائن لديك وأخطرها على العالم. 
يضع السكين جانباً، يُحضر أعظم مقصٍ كنت لتراه، ويبدأ في فصلِ عِظام قفصك الصدريّ، واحدةً تلو الأخرى .. حتّى تتكشف للعالم أجمل فراشاتك الورديّة المحميّة بعناية. يقعطهما بسكينٍ رقيقة حادّة، يُزيلهما، يرفع الكأس الورديّ أمام الحضور الذي يبكي من هولِ المعرفة. حينها فقط، تخبو فرحة انتصاره، حين يرى الضالة الأخيرة قابعةً هُناك، حاويةً كل ما ظننت أنك شعرت بهِ، كل ما ظننت جاهلاً أنّه مركز عواطفك، مزوّداً إياك بالخمر المُحمرّ اللذيذ .. ولخلاياك ما اجتاحها من السكرِ المنعش الذي جعل لكلٍ منها سباق ماراثون خاصّ. 
يُزيله عنك، مرّة أخيرة، ليست كالمرة التي ظننت أن "سارة" اغتنمتها. لا يرفعه كأي كأس نصرٍ هذه المرة، فهو ليس مخولاً للتبجح بما سيغدو الآن ملكيّة شخص آخر لم تعرفه، لكنك منحته حياته حين وقّعت على "يُسمح باستخدامه لأغراضٍ علميّة أو لتبرّع به". 
ماذا كنت لتعرف عن هذه اللحظة؟ .. أجل حتماً.