الأحد، 15 يونيو 2014

أبي .


تخطّيتُ الآن الدقيقة الخامسة مِن سكوني أمام الحاسوب .. جامدةً كأيِّ عاطلٍ يُحاولُ أن يُوجِدَ قضيّة .. واخترت أن يكونَ قضيّتي هذا المساء : أبي .
كنتُ دائِماً أرفض فِكرة إتّخاذ قدوة أو "نقطة مرجعيّة" إلى أن أدركتُ جمالَ هذا الكائن الذي ربّاني 19 عشر سنة .. في كُلِّ سنةٍ مِن هذه السنوات يفتحُ لي نافذةً لا تُغلقها الريّح أبداً .. يضعُ بصمته الخالِدة على كُلِّ لحظةٍ أعيشها حتّى أصبحَ دستوراً فكرّياً أتلذذُ بتحليله .
لن أُحصي الدروسَ التي تعلّمتها مِنه لأنّها لا تُحصى .. ورغم ذلك فإنّها حاضِرة في كُلِّ تصرّفٍ أقوم بِه .. وتضمن لي عدم الوقوع في الحماقة .
بإمكاني الإعتراف بأنَّ أبي عبقريّ .. وأنَّ أغلبَ الحلول التي ساعدتني على تخطّي مشاكلي كانَ هوَ المُلهمَ الأوّل لها .. وبأنَّ أيّاً من تصرّفاتهِ لم تُزعجني أبداً .. أُحبُّ كُلَّ ما يقومُ بِه وحتّى عِند تذمّري في البدايّة من أيِّ تصرّف أو كلمةٍ يقولها إلا أنني بتفكيرٍ عميقٍ أُدرك أنّها جاءت في المكان والوقت الصحيح .
كثيراً ما رفضتُ إحتماليّة أن يكونَ الإنسانُ كامِلاً .. لكنَّ أبي .. حتّى الآن كامِلٌ بشكلٍ مُذهل يجعلني أغبطه .. لم أرى قط هذا الرجل العظيم يُخطئ في أيِّ من تصرّفاته .. دون أن يحمِل حُكمي هذا عليهِ أيَّ تأثيرٍ كوني إبنته .. لأنَّ ذاتيَ العُليا الناقِدة التي تؤنّبني كثيراً لم تؤنّبه أبداً على شيء .. ولا حتّى مرّةً واحِدة .
كُل هذه السنوات جعلت أبي نُقطةً مرجعيّةً لِي .. لديهِ كُل ما أتمّنى .. وكُل ما أودُّ الوصولَ إليه .. إضافةً لِبعض الزيادات كأن أؤلّف كِتابيَ الأوّل .
كما جعلت كُل هذه السنين أبي إكسيراً لِحياتي .. صِرتُ أخافُ حتّى مِن تخيّل فقدهِ .. إذ أنَّ خيالاً واحداً يجعل أنفاسي مُلتهبة .. وهذا كفيلٌ بِجعلي أتيقّن أنَّ فقده قد يقودني لِواحدٍ من اثنان : الجنون أو الموت .
ها أنا ذا أتوقّفُ عنِ الكِتابةِ مُجدداً .. لا أُجيدُ صياغةَ العِبارات التي تستطيعُ أن تُعبّر عن ما أودُ كتابته .. في حضرتهِ يُغتالُ الوصفُ إلى لحظاتِ صمتٍ ذات معنى أعمق .