الأحد، 14 سبتمبر 2014

لا..في وجهِ الموت.


القوّة التي لا يُخطِئها فؤادك هيَ التي تنتشلك مِن سُباتِك كإنفجارٍ ضاقَ ذرعاً بِسكونك، القوّة التي تمسحُ رواسِبك بيدِها المُتشقّقِة، وتُلقيكَ في وجهِ اللحظةِ..لتعيشها بِكُلِّ ما اوتيتَ مِن حياة .
لا أعلم مِن أيِّ مخزونٍ تأتيني لحظاتُ قوَّةٍ كهذه..لكنّها تأتي في الوقتِ المُناسب، الوقت الذي لا تُفلحُ فيهِ أيُّ يدٍ غيرها في إنتشالي..قوّةٌ مِن روحِ اللهِ التي نَفَثَ الحظِ العظيم فِيها لِتقعَ على فؤادي وتُلقيني للسّماء التي أعودُ مِنها بِلا خوفٍ ولا ضعف..القوّةُ التي تجعلك قادِراً على فضحِ جنونك ولو بِجعلِكَ تقِفُ أمام الجميع وتخلعُ أقنعتك..القوّةُ التي تجعلك تقف رُغمَ إسقاطِ العالم لك..القوّة التي تمسكُ يدك حِينَ يتخلّى الجميع عنك..لحظةٌ تستحقّ منحك وقتك وطاقتك لها..ولحظةُ تقولُ لا في وجهِ الحياة حِين يقولُ لكَ الموتُ نعم..لحظةٌ تزوّدك أكثرَ ممّا تحتاج لإكمال الطريق..لحظةٌ تجعلك تحسمُ مصيرَ جميعِ المهمامّ التي أجّلتها..لحظةٌ تُحرّرك وتجعلك أنقى مِن أيِّ وقتٍ عرفتَ فيهِ نفسك..لحظةٌ تخبرك أنّك "تستحقّ" وإن رَماكَ الجميعُ وأغلقوا أبوابهم..تستحقُّ خطوةً إضافيّة على هذه الأرض وتستحقّ النَفَسَ التّالي..لحظةٌ أُحيَت لكَ مِن رحمِ القوّة لتقولَ لكَ بالنّبرةِ الواضِحةِ أنَّ لا وجودَ لأيِّ عقبةٍ لا يُمكنك تخطّيها..قدراتك الخفيّة مُصمّمة لتخطيّ كُل ما تملكهُ العقبات لإعاقتك..وحِينَ تمتدُّ يد الضعفِ إليكَ مُجدداً..إقطعها:)

اشعر بِنفسك تحيا في كُلِّ الأزمنةِ والأماكِن باختلافِ ظروفها .. هكذا تقهرُ ضعفك .
مُلاحظة: تخلّلَ كِتابة هذا النص الكثيرَ مِنَ الرّقص .

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

سِحرُ ماركيز


لستُ قارِئةً مُجتهِدة، لهذا أُقدِّرُ جميعَ الكتبِ التي أُنهيها لأنّها قد تكون الأخيرةَ بعدَ عودةٍ مُستحيلة .. أتذكّرها جيداً كمن يتذكّر فقيدهُ الأخير الذي دُفِنَ في ساحةٍ خضراء، لِكُلِّ كِتابٍ ساحة .. تتباينُ درجاتُ الخضرةِ فيها لكن جميعها تملِكُ نفسَ اللحن الذي يُدركُ المارّونَ خِلالها أنّهُ مِنها، أمّا بِالنسبةِ لي .. فإنَّ الكتاب الذي اختارَ أن يُدخِلَ الخضرةَ في قلبي على أن يُدفنَ فِيها جاعلاً إيّاه حيّاً بي ومني هو رواية مائة عامٍ مِنَ العزلة .. تغلغلت ألحانُ هذه الرواية إلى صدري كما لم تفعل مقطوعةٌ قط، أسرتني للحدِّ الذي جاهدتُ فِيهِ لِكيلا أُنهيها .. كمن يصبُر عن بلوغِ نِهايةِ النّشوة ويُحاوِلُ مُحمرَّ الوجنتين ألّا تنتهي تِلكَ الحظة التي تسبقُ الإكتفاء، وقد بلغَ صبري على التمّهلِ فِيها شهراً كامِلاً رغم قدرتي على إنهائِها في أسبوع .. تسحرُ الأفئِدةَ كما لم تفعل عصاً سِحريّة من قبل .. قربيةٌ مِنكَ للحدِّ الذي تظنِها قِصّتك .. تُعلِّق شخوصها في مُقلتيك حتّى يُثيرُ بؤسَكَ موتُ إحداها .. لن تنجح قط في إقناعِ نفسِكَ أنّها أحداثٌ وشخوصٌ مُتخيّلة رُغمَ خروج الأحداث فيها عن نِطاقِ عالمِك .
بعدَ إنهائي لها تأّوّهتُ كمن أنهى لتوِّهِ قراءةَ رسالةِ مِن عاشِقهِ .. تمنّيتُ لو منحني الحظُّ فرصةً لأسكنَ يوماً واحِداً في عالمِ ماركيز الذي لا يعرِفُ حدوداً .. كنتُ سأعِدهُ أن أكونَ مُواطِناً صالِحاً كيلا يُفنيني مِن عالمِه الذي لن تتّسع لهُ حواسّي لعمقهِ الشّديد .. عالمٌ مليءٌ بالإحتمالاتِ اللامُنتهية ورائِحة السّحر الجميل التي تُحرّكها الفوضى وقلبُ ماركيز الرّقيق .. دافئٌ كالثّوبِ الأول الذي حاكته يد أمّك لَك .. عذبٌ كمشيتكَ الأولى وأنت تُحاوِل تخطّي العائِق الأوّل فتسقط .. بريءٌ كطفلٍ يطلبُ مُسدّسكَ ظناً مِنهُ أنّه لعبة.
شُكراً ماركيز .. شُكراً بحجمِ جميعِ الحدودِ التي أسقطتها عن خيالِنا الذي تعفَّنَ مِن عالمٍ رحلتَ عنه .. شكراً أيّها الغالي جداً على الكلِمات .. المجدُ لكَ أيّها الأبديّ .

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

إنصافٌ مُصغّر لِلكتابة


لستُ مُتأكّدة إن كنتُ أودّ كِتابة شيء مُعيّن الآن، لكن سأكتب لِغرض الكِتابة ليسَ إلّا .. وهذا وحدهُ هدفٌ نبيل قذر .. يصنعُ نُبلهُ مِن قذارته. على كُلٍّ أظنُّ أنَّ الكِتابة امرأةٌ عجوز تمرُّ عليها أيّامُ العنفوان أحياناً، جالِسة بِثوبها الطّويل ذو الشّقِّ العالي الذي يكشفُ عن ساقِها مملوءة الشّعر، تُمسك بإبرةِ الحِياكةِ التي تطعن إصبعها كثيراً دون عمد .. لا تتذمّر، فقط تمنح الإبرة حقّها في إرتكاب الأخطاء وتبتسم حِين تُبالِغ في سكبِ دمِها، عيناها الغائِرتين تأسرانِ النّظارة التي مضى على انكسارها شهران، تُغريهِا لتجعل العالم في مُقلتيها أدقّ، بينما يأسرُ صوتها آلةَ العودِ المُعطّلة التي تُحيّيها دائِماً بعزفِ مقطوعاتٍ تستفيقُ لها الأزهارَ في شُرفتِها حِينَ تُقرّرُ أن تُغنّي، لكِنَّ الثّوب..الثّوبَ الذي تحكيهِ وحدهُ مَن يتمنّى ألّا تفرغَ مِنهُ كيلا تفوتهُ نعومةُ كفّيها وهيَ تتحسّسه..وحدهُ مَن يتمنّى لو يُصيّرُ جِلداً لِيحظى بِشرفِ رؤيةِ السّرِ الكامِن في مفاتنها التي لم تذبل رغم شِيبِ الزّمان..بينما يُغري شعرها الأبيض المُنسدِل على كفّيها النَّسيمَ ليمُرَّ عليه .
إنّها الكِتابةُ التي تُغري كُلَّ شيء، الكِتابةُ التي تتحدّى القدر بِجعلها عجوزاً تفوتها بعض القفزات..أحمق حقاً..لا يعلمُ أنَّ روحها أبديّةُ الشّبابِ لن تذبل أبداً ولن يُصيبها عَجز..لم يعلم أنّها تفوّقت عليهِ حِينَ منحت أبنائها حقَّ معرفتهم لها ما منحها ديمومةً لا ينفلِتُ خيطها مِنَ الوجود، سهلةٌ مُدهِشة .. تتغلَّبُ على الجميعِ في اللحظةِ التي يظنّونَ أنّهم تغلّبوا عليها .. تفتحُ أبوابها في لحظةِ تسبقُ اليأسَ مِنها .. قريبةً حتّى ممّن يدّعي بعدهُ عنها.. تمُدّ كفّيها لكَ مهما شتمتها واتهمتها .
مجدٌ لا يموت .