الأربعاء، 14 مارس 2018

مِيلاد محمود درويش وآينشتاين، وفاة ستيفن هوكينغ: انحلالُ مُدرَك.

ماذا يعني أن يموت فرد ما؟ ولماذا يجب علينا التأثر بوفاتِ فردٍ مُعيّن رغم أن مشاهدتنا لصورِ القتل الجماعيّ، مثل الهولوكوست ومذبحة الأمريكان الأصليين -أجل، أمريكان، لأن كريستوفر كولومبوس محظ جاهل لعين ومُضلّل- لن تدفعنا لأخذ نفسٍ عميق وتأمل أثر فقدان أحدهم، بل في الحقيقة، لن تؤثر فينا إطلاقاً، بل ستُغضبنا، إن كنّا بشراً حقيقيين، أو تقربنا أكثر من فهم الطبيعة البشرية إن كنّا محظ عُقلاء متفلسفين وباردين لم يعد الفقدان يؤثر فيهم إلا بقدر ما يلهمهم أفكاراً مُحرجة عن أصلنا ككائنات متوحّشة تختار أحياناً نِسيان تحضّرها غير المُتأصل كما ينبغي في أحماضها النووية.

كُلما مات فردٌ مؤثر في حياتي، ولو عن بُعد، لا أتأثر حقاً بِوفاته إلا بقدر ما تجعلني مُدركة، ببالغ التأثّر العاطفي المُوجع، بما سيكون عليه بعد انحلاله الماديّ. ماذا سيكون؟ كيف يُعقل ألا يُوجد الأشخاص فجأه؟ وكيف بإمكاننا مواساة أنفسنا في وجودنا، حين نُدرك أننا عالقين ومحصورين في المادة التي اختفت للتوّ من أمامنا، وغدت شيئاً لا يُذكر؟ نحن لا نفكر في غيرنا إلا لفهم أنفسنا، ولندرك قبل فوات الأوان ما سنكون، أو ما يُمكن أن نكون، أو ما يُمكن أن ندرسه ونخوض في غماره لنُدرك ما يُمكن أن نكون، قبل أن يسوقنا الوهم نحو خواتِم مُحددة مًسبقاً لتعاظم من فرصة هدر كرامتنا الإنسانية والعقلانية التي لطالما صارعنا أنفسنا للحفاظ عليها حتّى النفس الأخير.

الميلاد: وُلِد أحدهم، أصبح شيئاً، ثُم أصبح شيئاً يُمكنك التعلق به وإيهام نفسك بأن وجودك قائمٌ على وجوده فحسب. سيسيّرك هذا الشيء، قد يحيلك سراباً أو يؤكّد على حقيقتك، لكن الحقيقة الأولى غير القابلة للنقض، هي أنّك موجود، بوجود المواليد الجدد أو بعدمهم، وبوجود من وُجِدَ قبلك أو بعدمهم، أنت هُنا الآن، تتنفس، تُفكّر، ترقص وتتمنى ثم تموت. لا يعتمد وجودك على شيءٍ حقّاً. أنت المادة، والمادة وحدها تحفظ الوجود. وبقدر ما يبدو التفكير في انحلالك الماديّ المحتوم مُزرياً ومُحطماً لنُبل العَيشِ فيك، لكنه حقيقةٌ أخرى لن تٌغادرك وإن غادرتها برصفِ الأوهامِ وضمّها بعنايةِ نحو صدركَ الذي يخبو ببطئ.

تخيّل معي الآن أنك تعمل في مشرحة. كل صباح، تُساق إليك الجثث مُغطّاة بالأبيض لتجميل، أو مُفاقمة، حدّة الشعور بالموت والفناء. تُزيل الغطاء من رأس الجثّة، تتأمّله، الآن ينبغي عليك بَقرهُ من منتصفه لتصل حواف السكين لأعلى الأذنين تماماً، بكل احترافية ودون أدنى رَجفة. الآن، ستضع السكين جانباً لتستعين بكفّيك القويين لتوسعة الشرخ النصفيّ، سيتطلب منك ذلك قوّةً جسديّةً فحسب، ولن تشعر بالشفقةِ على نفسك لأنك فشلت في الإشفاق على الإنسان الحقيقيّ تحت رحمةِ يديك. لن يُمكنك إنكار أنك لم تعد قادراً على التواصل معه بإنسانية، أيّاً كان ما يحمله هذه المصطلح من مقاصد عاطفية وأخرى إدراكيّة لما يُمكن أن تكون حين تؤول مكانه. 

هناك تعليق واحد:

  1. انا بقرا كلامك اكتر من مره عشان استوعب اكتر الكلام والمضمون. انا حابه جدا اسلوب التعبير والوصف واختيار الالفاظ بس الموضوع ومضمونه شويه غريب او مخيف لدرجه الحذر وانا بقرا الكلام. انا فضوليه جدا حضرتك كنت بتقرأ ايه عشان توصل المستوي الرائع ده ⁦❣️⁩

    ردحذف