ما هو الزمن المناسب لتعيش فيه؟
لنعترف بذلك، نحن نعيش في زمن أقل إثارة من
جميع الأزمان السابقة له. لا توجد قضيّة نتمسّك بها ونسترخص حياتنا دفاعاً عنها،
حتّى القول الشائع بأن علينا صنع قضايانا بأنفسنا دون انتظار بزوغها من اللامكان،
فارغ تماماً. لو اخترعنا قضيّة لحكَمتِ الجموع علينا بالنفي من دائرتها المؤمّنة
بعناية الوعي الجمعيّ المشترك، لصنّفنا كمخبولين لا يفرقون بين الواقع وتبريراته الوهمية.
وإن هممنا للمشاركة بقضايا موجودة، كقضية فلسطين أو الإحتباس الحراري أو فضيحة
التحالف العربي في اليمن لما أثّرنا فيها بمقدار نملة، ولقدّر لنا أن نعطي كلّ ما
نملك دون شرف الإستشهاد بآثارنا التي تجرفها آثار الآخرين وتُمحيها كأنها لم تكن
قط، وكأننا لم نصنعها يوماً. وقد نصنّف فوق ذلك بأننا غير مسؤولين لحشرِ أنوفنا
فيما لا يخصّ أوطاننا بحقّ، وأن أكثر ما يُمكن أن نجاهد بشأنه هو رفعتنا وتقدمنا
كأفراد، بأن نولي جلّ اهتمامنا لحياتنا الفرديّة من عمل ووظائف ومسؤوليات توعوية
أساسية يعرفها الجميع لكنهم ينتظرون، لأسباب تأسيسية، تذكيرنا لهم بها. لكن ما
مصير العنفوان ذاك؟ ما مصير توقنا الغريب والممرض للمشاركة في شيءٍ أعظم من
إنجازاتنا اليومية التافهة؟ أن نكون جزءً من حدثٍ عظيم يهزّ أركان العالم، مهما
كانت عواقب الإهتزاز؟ أن نشعر بأن وجودنا هامّ، ولو مِتنا في محارق جماعية تتداخل
فيها أجسادنا البالية المنسخلة من جلودها ولحومها، مكوّنة بذلك كتلة لحمٍ واحدة
فاخرة. هذه الرغبة الخالصة بالتدمير الذاتيّ البطيء واللذيذ، الذي مع كل خطوة
سيُجبرنا على فهم مغزى وجودنا المستفحل في وجوهنا المُغبرة. وكيف لنا، نحن
العشرينيين، ألّا نرهب ونحزن لفكرةِ أنَّ هذا النَزَق الشبابيّ وإن كان مخالفاً لجميع
أوجه المنطق، سيضمحلّ وتنسكر شوكته في ثلاثينية أعمارنا؟ يُقال بأن حياة الإنسان
تبدأ من الثلاثين، لكن من منكم لم يرى ثلاثينيّاً هرِماً؟ بروحه، وبعاداته
اليوميّة، ونُعاس عينيه الدائم؟
إذاً، وقد قيل ما قيل، رغم أنَّ وقوفنا على
الإطلال وبكائها لن يُفيدنا إلا بقدرِ غرزة في جرحٍ متعفّن، ماذا يُمكن أن يكون
"زمانك"؟ ما هي القضايا التي كنت ستهب لها نفسكَ فِداءً، بإندفاعٍ تكسوه
نزعةٌ تدميرية شبِقه، دون أدنى ترددٍ وكأنّك تمنحُ يتيماً هديّة ذكرى الميلاد
الأولى؟ أم أنّك، كمن يندفع لإطفاء جذوة حياته وحماسه الدنيويّ، ستكتفي ببضع
إنجازات يوميّة لا تُرهق بالَ أحد؟
ان تضحيه الإنسان بنفسه لأجل قضية ما، من وجهة نظري، لهو أسمى انواع الفناء و الخلود، فأنت قد متَ جسداً، و خُلدتَ بدفاعكَ عن تلك القضية التي خُلدت بفنائكَ، ولكن هنا تكمن المعظلة ، هل حقاً نحن في صف القضية الصائبة؟ هل ما ندافعه عنه و نضحي من أجله، هو الحلق؟ و هنا تأتي معظلة أخرى، من يقرر الصواب و الحلق؟ و من يقرر فناء انسان! لأجل قضية ؟ أليس هذا ما يسمى بالتطرف؟
ردحذفاعتقد بأن أسمى قضية، ان تفنى وانت ترى انكَ و بطريقة ما ترتكَ اثركَ في قلوب من أحببت، وانكَ خالد في قلوبهم.