أكثر ما يُثير رعبي هو حقيقة أنّي لا أملك أيّ رسالة تصلح لأنقلها للعالم ولأثبت بها عضويّتي في هذا الكون .. كنت أستنكر أن يعيش الإنسان في عالمٍ دون أن تُوجد رسالة مُحددة يُريد إيصالها للعالم .. إذ كيف قد يضع عينه بعين الكون ليقول أنّه يعيش عليه دون أن يدفع الإيجار ؟ كيف يُمكنه بكل بساطة أن يسرق حقيقة الكون ليقول أنّه مهم .. وأنّه صاحب قضيّة بينما لا يحمل من المسؤولية شيء ! أيّ عار سيرمقه من مرآته كُل صباح حين يُحاول تسريح شعره الذي لا يحق له تسريحه .. وأيّ يأس سيتمكّن منه حين يظنَّ أنّه وصل لكل شيء بينما لم يصل بعد إلى نفسه .. وأيّ حزن سيتمكّن منه حين يكون الجميع حوله دون أن يمنحوه الأُنس ؟ إنّها لعنة الكون على العاطلين الذي يعيشون عليه .. فهو لا يُحاول وحسب أن يقول لك أنّك ملعون ومطرود من رحمته .. بل يُوهمك بأنّك أسعد من عليهِ ثُم يصدمك في النهاية بإلقائك في رصيفِ شآرعٍ يجتمع عليه الشحّاذين ليناولوا منك فوق ما نالوا من وجودك..
وبصفتي مُهملة .. وعاطلة .. فلن يدفعني شيء للكتابة مثل الغضب .. وحده سيُجلسني على هذا الكرسي ويرغمني على كتابة أنَّ الحقيقة هي في عطالتي واللامعنى المُتربّص بي .
لا أكتب هذه التدوينة لأسخر من العاطلين -بإعتبار أنَّ المقصود بالعاطلين هُنا هم من لا يملكون رِسالة – بل لأواجه نفسي بحقيقتي المُرّة . إذ لطالما ظننت أنني أحملُ شيئاً عظيماً للعالم .. في حين أنّ جيوبي خالية ليس بإمكانها أن تُعطي شيء .
أكتب الآن بسرعة .. بسرعة شديدة إذ يكاد عِرق يدي يتفلّت مني لولا عِناية الغضب الذي يتملّكني الآن . يعتني بي فقط لأنتهي من واجبي اتجاهه ثُم يرميني كعظمٍ تتمكّن العطالة منه . ليتني أغضب كُلَّ يومٍ هكذا .. لأكتب أكثر .. ولأُثبت طرد الكون لي من رحمته .
لكن يستطيع العاطلون رغم طبيعتهم الصعبة .. أن يجتمعوا على رسالة واحدة ليدفعوا إيجارهم للكون بالجُملة .. وهي أن يُعلنوا أنفسهم كعاطلين ليُبيّنوا مدى صبر هذه الأرض عليهم .. وكيف أنّها لم تبتلعهم بعد .. وكيف أنّها –بِكُلِّ خبث- تُطعمهم وتكسوهم رغم ثقلهم عليها .
إياك أن تتغلبي على غضبك ، وأنت غاضبة تبدين أجمل .
ردحذف